مقدمة عن العسل :
أجوده الربيعي والصيفي وهو يقـطـع البـلغـم , وأنـواع الرطـوبات, ويزيل الاسترخاء واللزوجات , والسدد وضعف الشهية شراباً , يقلع البياض , والدمعة , والحكـة , والجرب , وبـرد العين (وكـلـها مـن أمراض العيون) بماء البصل الأبيض.
وهو بالنشادر يجلو البرص, والبهق, وبدهن حبة البركة يُزيل وجع الظهر والمفاصل , ويهيج القوة الجنسية . وإن لطـخ بالخـل والـملح نقـى الكـلف , وحـلـل الأورام, وإن أذيـب فـي الـماء وشـُرِب سـكـن المغص, وقطع العطش, وإن دهنت به النفساء أزال النفاس.
هذا ما قاله داود في تذكـرته عـن عسل النحل. ولعـل الذي يطالــع مقالتـنا هـذه يلاحظ هـذا الكم الكبير من الوصـفات التي يدخـل عسل النحل ضمن عناصرها, ونحن لا نغـالـي عنـدما نقول : إننا عندما نتكلم عن عسل النحل فإننا نتحدث عن سر من أسرار الطبيعة الذي رغم كل البحوث العلمية التي أجريـت عليه لكـشف تركيبه وفوائده فإنه لم يبح بكل شئ بعد.
يقول الله عز وجل في كتابه الكريم عن النحل وعسله: } وأوحى ربك إلى النحل أن أتخذي من الجبال بيوتاً ومن الشجر وممن يعرشون (68) ثم كلي من كل الثمرات وأسلكي سبل ربك زللا يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس إن في ذلك لأية لقوم يتفكرون{ (69) سورة النحل : 68, 69.
أما رسول الله
فيأمرنا بالتداوي بالقرآن والعسل حيث يقول: "تداووا بالقرآن والعسل" وقال
أيضاً : "جعل الله شفاء أمتي في ثلاث: شربة عسل, أو شرطة محجم, أو كية نار, وما أحب أن أكتوي".
ومـمـا جاء في الخبـر أن أعرابـياً جـاء إلى الرسـول الكـريم
يـشكـو إليه استطلاق (إسهال) بطن أخيه, فقال له الرسول: "اذهب واسقه عسلا" ففعل الأعرابي, لكنه جاء ثانية قائلاً: لقد سقيته عسلاً ولم يزده إلا استطلاقاً. فقال له الرسول" اذهب واسقه عسلا" وكـرر ذلك للمرة الثانـية حـتى قـال لـه في الثالثة: "صدق الله وكذبت بطن أخيك اذهب واسقه عسلاً" فشرب منه فبَرِئَ أي شُفِي.
ولعلنا نضيف أن السبب في التكرار فيه معني طبي بديع وهو أن الدواء يجب أن يكون له مقدار وكمية حسب حال الداء , إن قـصـر عنـه لم يزلـه بالكلية, وإن جازوه أوهن القوى فأحدث ضرراً. فلما أمره الرسول أن يسقيه العسل سقاه مقداراً لا يفـي بمقاومة الداء ولا يبلغ العرض, فـلما تكررت الشـربات بحسب مادة الداء برئ بإذن الله.
أما ابن البيـطار فيقول عن عسل النحل: " إذا طبخ عسل النحل مع الـشبت الرطب الحديـث وطـليت به القوابـي (داء الثعلبة) شفـاها, وإذا خلط بالمـلح وقـطر في الأذن سـكن ما فيـها من ألم. ويصـلح مضمضة وغرغرة لأورام والتهابات الحلق واللثة واللوزتين. وهو مـدر للبول,و إذا شرب ساخناً مع دهن الورد نفع في السعال.
والذي يشرب بغـير أن تـنزع منه رغوته ينفـع في تحريـك السعال ؛ أي أنه منفث, والمقصود بهذا أنه يحرك السعال ويطرد البلغم. و إذا عجن بالدقيق ووضع على الأورام المتقـيحة فتحها وامتص ما فيـها من قيح. هذا ولعـلنا لاحظنا الفوائد العديدة التي ذكرها قدامى الأطباء عن عسل النحل.
بل ماذا نقول عن عسل النحل وهو الذي قال فيه الحكيم الخبـير في كتـابه الكريم : } يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس{ [سورة النحل 69]. ولكننا الآن سنمضي في رحلة أخرى في صحبة ذلك الساحر عـسل النحل لكن رحلتـنا هذه المرة ستـكون داخل أروقة المعامـل وقاعات البحث العلمي, وسوف ندهـش ونحن نطالع أي قيـمة وراء هـذه المادة التي وفرتها لنا الطبيعة بقدرة الخالق العظيم.
ماذا يقول الطب عن عسل النحل؟
• رُوي عن سليمـان الحكيم أنـه قال : ” اذهـبـوا وفـتـشـوا عـن العسل واستعملوه" وكأنها كانت نصيحة لكثير من العلماء والأطباء. وكـان البحث عن تركيب عسل النحل هو شاغـل العلماء في البداية؛ فالنحلة التي تصنع العسل من الزهر والشمس والهواء هي في الحقيقة تصنع سراً من أسرار الحياة, والنحلة التي تبحث عن الأزهار فتـنـتقي منها النافع وتبتعد عن السام الضـار, فإذا ما جمعت الرحيق كرَّت راجعـة إلى الخلية , وهـي في عودتـها تعرض لسـانها لـلهواء والشمـس كـي يتبخر الماء مما حصلت عليه مـن رحـيق, فإذا مـن ما حطت بالخلية أفرزت بعـض الخمائر من فمـها في هـذا الشهد ؛ فيتبدل تركيبه من سكر القصب (سكروز) إلى سكر فواكه (ليفيولوز) و (دكستروز), وحقـنـته بالفيتامينات والمـواد الحيوية التي تحـمـل في طوايـاها سـر فوائدها التي لا تحصى.
والنحلة تعطـي يومياً حوالي عشرة جرامات مـن العسل, يقتضيها ذلك إفـراغ حمولة طيران تعادل ستين مرة ذهاباً وإياباً ... ونعود مرة أخرى إلى السؤال عن تركيب عسل النحل.
يحتوي عسل النحل على خُمـسْ وزنه تقريباً ماء كما يحـتوي على البروتـين وحوالي أربعة أخماسه كربوهيدرات, كما يحتوي على مقادير من فيتامين ب المركب وفـيتـامين ج , ومقاديـر مـن الصـوديوم والبـوتاسـيـوم و الكالسـيوم والمغنيسيوم والمنجنيز والحديد والنحاس والفـوسفـور والكبريت كما تعـطي كل مائة جرام عسل النحل ما يقرب من 294 سعراً حرارياً
ورغم أن العسل له حلاوة تبلغ ضعفي حلاوة السكر العادي, إلا أنه يعتبر أقل ضرراً للمصابين بالسكر من السكر العادي, وذلك لأن العسل يتحول في جسم النحلة إلى سكر بسيط سـهل امتصاصه, لا يحتاج إلى عمـلية هـضـم طـويـلـة داخل جسم الإنسان, وهو بذلك يعتبر مليناً خفيفاً ومهدئاً جيداً للأعصاب.
ومن المـعروف أن الإنسان يمكن أن يصاب باضـطرابات خـطيرة في وظائـف الأعضاء , عندما تتراكم في جسمه الأحماض الناتجة من التغذية على المواد الزلالية, أو عمليات أكسدة السكر الموجودة في الدم والعضلات؛ نتيجة القيام بالمـجهود والنشاط . ولما كـان العـسل طعامـاً قلوياً لاحتــوائه عـلى عـناصـر البوتاسيوم, والصوديوم, والكالسيوم, والمغنيسيوم – لذلـك كان أثره عظيماً في إيجاد توازن قلـوي فـي الجـسـم, وتخليـصـه مـن الأحماض التي تَفتُّ في عضده وتقتل حيويته وتصيبه بالفتور وبالملل, ولذلـك يـشـعـر الإنـسـان بـعد تناوله للعسل بحيوية كبيرة وميل إلى النشاط والحركة. وتحتـوي أنسجة الطـفـل عـنـد ولادته على كمية من الحديد تكفيه ثلاثة أشهر فقط, ولما كان لبن الأم فقيراً جداً في الحديد – فإن إعطاء الرضـيع مـلـعقة عسل يومياً تفيده اعتباراً من الشهر الرابع , وذلك لوقـايـتـه من الكسح وفقر الدم. وقد أثبتت الدراسات أن الأطفال المصابين بالأنيـمـيا زادت في دمـائـهم نسبة الهيموجلوبين عـنـد إضافـة عـسـل النحـل إلى غـذائـهم الـيومي, كـما أثبـتـت التجارب التي أجراها باحثون آخرون في ألمانيا وفرنسا والاتحاد السوفييتي (سابقاً) أن عـسل النحل يفـيـد فـي زيـادة وزن ا لجـسـم وفـي تـقـلـيل حـالات الإسهال والقيء.
وأفضل نسبة لاستعمال العسل في تغذية الأطفال الرُّضَّع هي مقدار ملعقتين صغيرتين من العسل لك 200 إلى 250 سم3 من الـلـبن الحليب, تُـزاد هـذه الجرعة بمقدار نصف ملعقة صغيرة في حالات الإمساك, وبعكس ذلك يُخّفَّضْ ذلك بمقدار ملعقة صغيرة في حالات الإسهال. والرُّضـع الـذيـن يـتغـذون بالـعسـل لا يصابون بالمغص المعوي إلا نادراً لأن السرعة التي يمتص بها العسل لا تترك مجالاً للاختمار في المعدة. وقد أجريت عدة تجارب على الكلاب الصغيرة لمدة سبعة أشهر بإضافة سكر القصب أو سكر الـجلوكوز أو العـسل إلى غـذائها – فوُجِـدَ عـنـد تشريحها أن العسل يساعد على تحسين العظام والأسنان ونموها , وقد يـعود ذلك لاحتواء عسل النحل على كمية كبيرة من فيتامين (ب) المركب.
ومنذ بضع سنوات لم يكن إخصائيو التغذية يعلقون أهمية كبرى على ما في العسل من معادن ؛ لأن كمية البعض منها ضئيلة , ولكن اتضح فيـما بـعد أن الجسم لا يـتطـلب مـن هـذه الـمعادن أكثر من أثر خفيف , ومن البعض الآخر كميات صغيرة فقط لحـفـظ الـتوازن المعدني في داخله , والعسل يحتوي على المعادن, وبالنسب التي يحتاج إليها الجسم تقريباً.
والمعادن الأكثر أهمية, وهي النحاس والحديد والمنجنيز وجدت في العسل الداكن اللون أكثر مما في الأنواع الأخرى من العسـل الفاتح اللون. وأهـميـة الحـديــد مـن الـواجـهـة الـغـذائـيـة نـاتـجـة عـن عـلاقــتـه بالهـيمـوجـلوبـيـن الـذي يـمـول كـل خـلية في الجسم بغاز الأكسجين الذي لا غنى لها عنه,ولولا وجود الحديد فـي تـركـيـبـه لما استطاع الهيموجلوبين أن يرتبط بالأكسجين ويحمله إلى كل خلية في الجسم.
أما النحاس فمهمته في الجـسم هـي مسـانـدة الحديد في أعماله , أو بتعبير آخر يعتبر النحاس معيناً للحديد للقيام بأعماله. أما المنجنيز فهو ضروري لأغراض النمو والتكاثر, وإفرازات الكبد, ويساعد على تكويـن الهـيمـوجـلوبـيـن , فهو متمم للنحاس في عمله , وينشط فعل بعض الخمائر ذات الأهمية في التمثيل الغذائي.
وقد ثبـتـت بالتـجارب أن الـعسـل بعـكس الـلبـن لا يـمـكن أن تـعيـش فـيه آيـة ميكروبات مرضية لأكثر من بضع ساعات , أو أيام قليلة , وذلك لكونه بيـئةً غير مناسبة لحياة الكائنات, وذلك لأن العسل مصدر غني بعنصر “K” وهو السبب في استعمال العسل لعلاج الـجـروح المتقيـحة والملوثة , وكما سـيأتي بيان ذلك فيما بعد.
ويعتبر سكر العنب من أهم مكونات عسل النحل , ويستعمل في الطب الحديث بكثرة لعلاج أمراض الدورة الدموية , وزيادة التوتر, والنزيف وقـرح المعدة وأمراض أمعـاء الأطـفال , والأمـراض الـمـعـديـة الـمخـتـلفة , مثل التيفوس, والدوسنتاريا , والملاريا , والـتهـاب الـحلق, والحمى القرمزية, والحصبة, والتسمم بالإضافة إلى أن الجلوكوز يستـخدم كـعلاج لـحالات التسمم, كما أنه يعتبر مصدراً مهماً من مصادر الطاقة لجسم الإنسان, ولابد منه لعمليات بناء الأنسجة والتمثيل الغذائي.
وكان العالم (لوتنجر) في الولايات المتحدة الأمريكية, وبعد إجراء الكثير من الأبحاث , قد أوصى باستعمال العـسـل في معـظـم حالات اضـطــرابات القــناة الهضمية في الأطفال , والـتـي يـكون فـيها امـتصاص وتمثيل المواد النشوية والسكريات الثـنائية صعباً , وعندما يتـكون الحـاجـة شـديـدة إلـى امتـصاص وتمثيل سريع ومباشر للسكر في الجسم. وقد استُعمل بنجاح في علاج بعض حـالات الإسـهـال الصـيفي , وكانت بعض المؤسسات الألمانية الخاصة بالتجميل تـنبـهـت إلـى ما لعسل النحل من بعض الخصائص التي لا توجد في غيره؛ فأدخلته في تركيـب بـعض مسـتحـضـرات التجميل cosmetics الخاصة بدهان البـشـرة لما له من أثر واضح علـى الجلد والشعر.
ويقول ابن الـقيم في كتاب "زاد المعاد": إن العسل غذاء مع الأغذية, ودواء مع الأدوية , وشراب مع الأشربة , وحـلو مع الحلو , وطـلاء مع الأطـلـية , ومفرح من المفرحات. فما خـلق لـنا شـئ في معنـاه أفـضل منه ولا مثله ولا قريباً منه , ولم يكن معول القدماء إلا عليه, وكان النبي يشربه بالماء على الريق, يقول "عليكم بالشِّفاءين العسل والقرآن". فجمع بين الطب البشري والإلهي, وبين طب الأبدان وطب الأرواح وبين الدواء الأرضي والدواء السماوي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق